هل يشرع صوم شعبان كاملا؟
هل يشرع صوم شعبان كاملًا؟
يستحب الإكثار من صوم شعبان لكن لا يصومه كله، لقول عائشة رضي الله عنها: “ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان”، ولا يُعارض ذلك ما سبق من قولها: “كان يصومه كله”، وقول أم سلمة: “يصله برمضان”؛ لأن الجمع ممكن بحمل ذلك على المبالغة، والمراد التكثير، كما أن وصل شعبان برمضان جائز لمن وافق عادته، ولا يلزم منه صوم الشهر كاملًا. وقد أشار إلى ذلك ابن حجر رحمه الله، بعدما ذكر حديث عائشة رضي الله عنها(كان يصوم شعبان إلا قليلًا)، فقال: “وهذا يبين أن المراد بقوله في حديث أم سلمة عند أبي داود وغيره (أنه كان لا يصوم من السنة شهرًا تامًا إلا شعبان يصله برمضان)، أي كان يصوم معظمه، ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول صام الشهر كله، ويقال قام فلان ليلته أجمع ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره. قال الترمذي: كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك، وحاصله أن الرواية الأولى مفسرة للثانية مخصصة لها، وأن المراد بالكل الأكثر، وهو مجاز قليل الاستعمال”.
حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان بقيام، ويومها بصيام
والكلام هنا عن التخصيص لا من اعتاد صيام البيض، أو وافقت عادته، وكذا من اعتاد قيام الليل، أما تخصيصها دون غيرها بالقيام، ونهارها بالصيام، فهو بدعة، لما سبق من كون الأحاديث الواردة في ذلك من الأحاديث الواهية والموضوعة، ولم يكن أمره صلى الله عليه وسلم وأصحابه على ذلك، فمن أحدث في أمره ما ليس منه فهو مردود عليه.
فلا نترك هديه صلى الله عليه وسلم لفعل بعض التابعين ممن روي عنهم إحياء هذه الليلة. قال ابن رجب رحمه الله: وليلة النصف من شعبان كان التابعون من أهل الشام – كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم – يعظمونها ويجتهدون فيها في العبادة، وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها، وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية، فلما اشتهر ذلك عنهم في البلدان اختلف الناس في ذلك، فمنهم من قبله منهم ووافقهم على تعظيمها، منهم طائفة من عباد البصرة وغيرهم.
حكم الصوم في النصف الثاني من شعبان
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا”)، وهذا في حق من لم تكن له عادة في الصوم، فيكره له الصوم بعد انتصاف شعبان، أما من كان له عادة كصوم الاثنين والخميس، أو صوم يوم وإفطار يوم، أو وصَل النصف الثاني من شعبان بالنصف الأول فالصوم في حقه مشروع، وبذلك يتم الجمع بين هذا الحديث، وما سبق من الأحاديث الدالة على استحباب صوم أكثر شعبان. قال الترمذي رحمه الله: معنى هذا الحديث عند بعض أهل العلم: أن يكون الرجل مفطرًا، فإذا بقي من شعبان أخذ في الصوم لحال شهر رمضان.
حكم صوم يوم الشك وتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم”، وقال: “لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان يصوم صومًا فليصمه”.
والنهي في الحديثين للتحريم إلا أن يوافق صومه عادة له، وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم لرجل: “هل صمت من سرر هذا الشهر شيئًا”؟ يعني بالشهر شعبان، والسرر آخر الشهر لاستسرار -أي اختفاء- القمر فيه، قال الرجل: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: “فإذا أفطرت فصم يومين”، أي إذا أفطرت بعد رمضان فاقض يومين، فهذا يدل على أن الرجل كان له عادة فأراد صلى الله عليه وسلم أن يحافظ على عادته، ولهذا أرشده إلى قضاء يومين.
ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان، إذا لم يُرَ الهلال بسبب الغيم أو نحوه، وسمي يوم الشك لأنه يحتمل أن يكون يوم الثلاثين من شعبان، ويحتمل أن يكون اليوم الأول من رمضان.
ما الليلة المقصودة بقوله تعالى: “فيها يفرق كل أمر حكيم”؟
يعتقد البعض أن هذه الليلة هي ليلة النصف من شعبان، يُقدر فيها ما يكون في العام، ويعدون ذلك في فضائل شعبان، وهو اعتقاد باطل مخالف لدلالة القرآن، فسياق الآية في سورة الدخان {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم}، والقرآن أنزل في ليلة القدر في رمضان، كما قال تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، وهي في رمضان كما قال تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} [البقرة 185].
هل هناك علاقة بين فضل شهر شعبان وتحويل القبلة؟
ارتبط فضل شهر شعبان عند البعض بتحويل القبلة لما روي أنه كان في النصف من شعبان، وذلك مردود من وجهين:
الأول : إنه لا يثبت تاريخ متفق عليه لتحويل القبلة، وإنما هي روايات مختلفة، منها ما يجعله في النصف من شعبان، ومنها ما يجعله في جمادى الآخرة، ومنها ما يجعله في نصف رجب وهو ما صححه ابن حجر رحمه الله، وقال: وبه جزم الجمهور “أن التحويل كان في نصف شهر رجب من السنة الثانية للهجرة“.
الثاني: لو كان فضل شعبان راجعًا لتحويل القبلة فيه، لقال الرسول صلى الله عليه وسلم – حين سئل عن كثرة صومه في شعبان – “ذلك شهر حولت فيه القبلة”، ولكنه قالك “ذلك شهر يغفل الناس عنه..إلخ الحديث.
هذا ما تيسر لي جمعه فيما يتعلق بهذا الشهر الفاضل، أسأل الله تعالى أن يعيننا فيه على الصوم والطاعة، وأن ينجينا من العصيان والغفلة.
والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.