بلد العميان
اللوحه من قبل الرسام الهولندي بيتر بروغل
” بلد العميان ” رواية عبقرية وملهمة للكاتب البريطاني
هربرت جورج ويلز… عندما ينهار الحق أمام الباطل لان الحق حين لا يجد من ينصره يستسلم للباطل .. الرواية تلقي بظلالها على كثير من الأحداث حولنا ، فعندما تكون أنت العاقل الوحيد في زمن الجنون .. المتعلم الوحيد في زمن الجهل .. المبصر الوحيد في أرض العميان ..
أحداث القصة : ……………………
حينما طغى الأسبان وكثرت جرائمهم في بيرو فر مجموعة من المهاجرين بأنفسهم عبر جبال الإنديز ، ولكن حدثت انهيارات صخرية كبيرة في جبال الإنديز عزلت هؤلاء القوم في وادٍ بعيد عن بقية العالم ، فعاشوا به إلى أن انتشر فيهم مرضٌ غريب أصابهم جميعًا بالعمى ، وقد فسروا ذلك بكثرة الخطايا التي ارتكبوها .
وهكذا ظل هؤلاء القوم يعيشون جيلًا بعد جيلًا في ذلك الوادي البعيد ، وهم يتوارثون العمى ويورثونه إلى أبنائهم ، إلى أن ساقت الأقدار المستكشف البريطاني نيونز ، وهو خبير في تسلق الجبال كان في رحلة استكشافية مع مجموعة من الأصدقاء ، ولكن لسوء حظه انزلقت قدمه وسقط من أعلى إلى ذلك الوادي النائي .
حتى ظن أصحابه أنه مات ، فلم يكونوا على علم بوجود وادي العميان الأسطوري ، لكنه لم يمت وسقط على وسادة من الثلج أنقذت حياته ، وحينما بدأ المستكشف الغريب المشي في ذلك الوادي رأى مدينة مبنية بشكل غريب ، يخلو من التنظيم وألوان بيوتها فاقعة ومتعددة ، وتخلو من أي نوافذ فتعجب من ذلك .
واكتشف أن تلك المدينة التي يسير بها هي مدينة للعميان ، فأخذ يخبرهم عن نفسه ومدينته التي جاء منها ، وأن الناس فيها مبصرون فتعجبوا ماذا يقصد بالبصر ، فحاول إفهامهم ولكن دون جدوى ، ظنوا أنه مجذوب يهذي حدثهم كثيرًا عن جمال الدنيا وتنوع الألوان وحاول وصفها لهم ، ولكنهم لم يستمعوا له واتهموه بالجنون .
وبعد أن فشلت كل محاولاته بإقناعهم أنه الأفضل ، ويمتلك ما لا يمتلكون قرر الهرب ولكن فشل فعاد إليهم معتذرًا وأنكر كل ما قاله عن البصر حتى يسامحوه ويسمحوا له بالعيش معهم ، فصفحوا عنه بعد أن قاموا بجلده ثم كلفوه ببعض الأعمال .
وفي هذا الوقت بدأ قلبه ينبض بالحب لفتاة جميلة من العميان ، لكن على عكس نظرته كانت نظرة العميان ، فقد كان يعتبرونها قبيحة جدًا لأن أنفها مدبب وأهدابها طويلة ، وحينما تقدم الشاب للزواج من والدها وقع الأب في حيرة ، أيزوجها من ذلك المجذوب الذي يعد في مرتبة أقل منهم جميعًا ، أم يترك ابنته القبيحة دون زواج !
لذا طلب رأي الحكماء في ذلك ، فجاء رأيهم قاطعًا أن الفتى لديه عضوين غريبين بوجهه يقعان فوق أنفه ، هو يسميهما العينين وهما من أتلفا عقله ، لذا يجب نزعهما حتى يصير الفتى كاملًا عاقلًا مثلهم ، وبعدها يمكنه أن يتزوج الفتاة .
بالطبع رفض الفتى أن يضحي بعينيه في البداية وملأ الدنيا صراخًا ، ولكن الفتاة التي تحبه ارتمت بين أحضانه وأخذت ترجوه أن يفعل ، وهكذا أصبح العمى هو شرط الزواج واكتمال المواطنة في ذلك المجتمع النائي .
فرضخ الشاب وخرج لأخر مرة يودع العالم الساحر بجماله ، وأنهاره الزرقاء ووديانه الخضراء ، وسطوع شمسه الصفراء ولكنه توقف لبرهة ، وأخذ يفكر في كل شيء فانتصر بداخله حب الحياة وقرر الهرب للمرة الأخيرة ، وبالفعل استطاع فعل ذلك ونجا بنفسه بعيدًا عن مدينة العميان .
الرواية لا تتحدث عن العمى الذي يصيب العيون وانما عن ذاك الذي يصيب النفوس والعقول. انها تتحدث عن “الجهل” والفقر الفكري وعن سهولة انتشارهما عندما يجدا الخصوبة في الأرض والمناخ الملائم… فالجهل هو الذي يحول الناس الى مخلوقات حانقة مذعورة عاجزة…