الوقاحة في القول وفحش اللسان من صفات المنافقين والفاسقين
الوقاحة في القول وفحش اللسان من صفات المنافقين والفاسقين .
السؤال
لدي صديقة حميمة ، وهي تكرر الوقاحة معي ، وأنا أحاول أن أحافظ على هدوئي ، وأتغلب على هذا .
ولكني أتمنى لو أعرف : ما هو حكم الفظاظة و الوقاحة مع الآخرين ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
على المسلم أن يتحرى الصلاح عند اختيار أصحابه ، فلا يصاحب إلا التقي الصالح صدوق اللسان عفيف النفس ؛ لأن المرء على دين خليله ، وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بانتخاب الأصحاب على أساس التقوى والإيمان فقال : ( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ ) رواه الترمذي (2395) وحسنه الألباني في “صحيح الترمذي” .
ومن صاحب بذي اللسان فقد يتعلم منه البذاءة والفحش في القول ، والمؤمن ليس بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء .
ثانيا :
لا يجوز للمسلم ولا المسلمة أن يسلط لسانه ببذاءة القول ووقاحته وفحشه على غيره ، وخاصة إذا كان صاحبه أو قريبه ، وذلك لعدة أمور ، منها :
أولا :
أن الفحش في القول والوقاحة في الكلام مما يبغضه الله تعالى ويمقت عليه ، قال تعالى : ( لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ) النساء/ 148 ، قال السعدي رحمه الله :
” يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول ، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه ، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن ، كالشتم ، والقذف ، والسب ، ونحو ذلك ، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله ، ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول كالذكر ، والكلام الطيب اللين.
وقوله : ( إلا من ظلم ) أي : فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه ، ويجهر بالسوء لمن جهر له به ، من غير أن يكذب عليه ، ولا يزيد على مظلمته ، ولا يتعدى بشتمه غيرَ ظالمِه ، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى ، كما قال تعالى : ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) ” ا”تفسير السعدي” (ص 212) .
ثانيا :
أن ذلك من أسباب دخول النار .
فروى الترمذي (2009) وصححه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ ، وَالإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ ، وَالبَذَاءُ مِنَ الجَفَاءِ ، وَالجَفَاءُ فِي النَّارِ ) وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
ثالثا :
أنه من خصال أهل النفاق .
فروى الترمذي (2027) وحسنه ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ شُعْبَتَانِ مِنْ الْإِيمَانِ ، وَالْبَذَاءُ وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ ) .
وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
وقال الترمذي عقبه : ” وَالْعِيُّ : قِلَّةُ الْكَلَامِ ، وَالْبَذَاءُ : هُوَ الْفُحْشُ فِي الْكَلَامِ ، وَالْبَيَانُ : هُوَ كَثْرَةُ الْكَلَامِ ، مِثْلُ هَؤُلَاءِ الْخُطَبَاءِ الَّذِينَ يَخْطُبُونَ ، فَيُوَسِّعُونَ فِي الْكَلَامِ وَيَتَفَصَّحُونَ فِيهِ ، مِنْ مَدْحِ النَّاسِ فِيمَا لَا يُرْضِي اللَّهَ “
وقال المناوي رحمه الله :
” والوقاحة مذمومة بكل لسان ، وهي انسلاخ من الإنسانية ” “فيض القدير” (3/ 426) .
رابعا :
أن ذلك من أسباب الفسوق .
فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ) رواه البخاري (48) ومسلم (64) .
خامسا :
أن الفاحش البذيء ، يبوء هو بالفحش والبذاء الذي يرمي به الناس :
روى البخاري (6045) عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ ) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ قَالَ لِآخَر : أَنْتَ فَاسِق ، أَوْ قَالَ لَهُ : أَنْتَ كَافِر ؛ فَإِنْ كَانَ لَيْسَ كَمَا قَالَ ، كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقّ لِلْوَصْفِ الْمَذْكُور ” .
سادسا :
أنه من الكبائر :
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/58 .