InShot_20210305_100927114

بقلم / سماح جمال.

حقيقة التوكل على الله تعالى

عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إِنَّهُ سَمِعَ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا” مسند أحمد/ حَسَنٌ معناه: تذهب أول النهار خماصًا، أي: ضامرة البطون من الجوع وترجع آخر النهار بطانًا أي: ممتلئة البطون.

قَالَ الْمُنَاوِيُّ: أَيْ: تَغْدُو بَكْرَةً وَهِيَ جِيَاعٌ , وَتَرُوحُ عِشَاءً وَهِيَ مُمْتَلِئَةُ الْأَجْوَافِ، فَالْكَسْبُ لَيْسَ بِرَازِقٍ , بَلْ الرَّازِقُ هُوَ اللهُ تَعَالَى , فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ التَّوَكُّلَ لَيْسَ التَّبَطُّلَ وَالتَّعَطُّلَ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّوَصُّلِ بِنَوْعٍ مِنْ السَّبَبِ, لِأَنَّ الطَّيْرَ تُرْزَقُ بِالسَّعْيِ وَالطَّلَبِ، وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَسْبِ بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ: لَوْ تَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ فِي ذَهَابِهِمْ وَمَجِيئِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ, وَعَلِمُوا أَنَّ الْخَيْرَ بِيَدِهِ, لَمْ يَنْصَرِفُوا إِلَّا غَانِمِينَ سَالِمِينَ كَالطَّيْرِ.( تحفة الأحوذي).

من هدي الحديث: وهذا الحديث ليس لمنع الناس عن الاكتساب والحرف، بل لتعليم الناس وتعريفهم أن الكسب ليس رازقًا، بل الرازق هو الله تعالى.

قال الشيخ أبو حامد: مَن ظنَّ أن التوكلَ تركُ الكسب بالبدن والتدبير بالقلب فقد أخطَأ؛ فإنه حرامٌ في الشرع. وقال الإمام القُشيري: محلُّ التوكل القلبُ، والحركةُ بالظاهر لا تنافيه.

مواقف نبوية في التوكل على الله:

  • الأخذ بالأسباب للتكسب:

كان هذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت حياته قبل النبوة عملًا متواصلًا لكسب القوت، فمن رعي غنم إلى رعي إبل إلى تجارة ومن إجارة إلى شركة.

• الهجرة النبوية وقمة الأخذ بالأسباب:

 إن من تأمل حادثة الهجرة ورأى دقة التخطيط فيها ودقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها إلى انتهائها ومن مقدماتها إلى ما جرى بعدها يدرك أن التخطيط المسدد بالوحي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائمًا، وأن التخطيط جزء من السنة النبوية، وهو جزء من التكليف الإلهي في كل ما طولب به المسلم، وأن الذين يميلون إلى العفوية بحجة أن التخطيط وإحكام الأمور ليسا من السنة أمثال هؤلاء مخطئون.

• من مواقفه العظيمة في بدر:

عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: «لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلًا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة، ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه “اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض”، لقد اجتمع في بدر الأخذ بالأسباب بالقدر الممكن مع التوفيق الرباني في تهيئة جميع أسباب النصر متعاونة متكافئة مع التأييدات الربانية الخارقة والغيبية، ففي عالم الأسباب تشكل دراسة الأرض والطقس ووجود القيادة والثقة بها والروح المعنوية لبناتٍ أساسية في صحة القرار العسكري.

• غزوة الأحزاب وحفر الخندق:

 الأخذ بالأسباب المادية في قتال الأعداء، مثل حفر الخندق، والاستفادة مما لدى المشركين من أسباب مادية، وهذا يعد من الأمور المباحة ما لم يتعارض مع ثوابت الإِسلام، أو يكون سببًا لهدم الدين.

• عمرة القضاء والأخذ بأسباب الحماية: 

خرج الصحابة بالسلاح الكامل في موكب مهيب، ومع أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان متفقًا مع قريش أنه لا يدخل مكة إلا بسلاح المسافر فقط، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمن من غدر قريش، فخرج بالسلاح الكامل والعدة الكاملة، بالرماح وبالسهام والدروع وبكل شيء وكأنه مستعد لحرب، لكنه سيترك كل هذه الأشياء خارج مكة ليدخل مكة بسلاح المسافر فقط؛ وفاء لعهده صلى الله عليه وسلم، فجمع بين الأمرين: الأخذ بالأسباب والحماية لهؤلاء الخارجين إلى مكة.

• عوامل ومقومات النصر في جيش الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر:

نرى الجيش بكامله من المؤمنين، وكل هذا الجيش كان وحدة واحدة، وهذا من أهم عوامل النصر. وكذلك الأخذ بالأسباب: إعداد العدة، والخطة، والخطط البديلة، وتغيير الاتجاه، والعيون، فكل شيء يستطيع أن يفعله عليه الصلاة والسلام من أسباب النصر.

هل السعي والأخذ بالأسباب ينافي التوكل على الله تعالى؟قال تعالى: “هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ”(الملك: 15){هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً}: سهلاً مُسخَّرةً مذللة. {فامشوا في مناكبها}: جوانبها أو جبالها أو أطرافها أو طرقها، أو منابت شجرها وزرعها. {رزقه}: الحلال أو مما أنبته لكم. {وإليه النشور}: إليه يبعث الخلق.

About Author

اترك رد