التوبة والإستغفار
التوبة والإستغفار
رحمة الله تعالى
إن رحمة الله تعالى واسعة، تتسع لكل شيء، كما أنها تتمثل في مظاهر كثيرة لا يمكن للعبد أن يُحصيها ويعجز عن وصفها حتى،
سواء كان ذلك في ذاته وتكريمه بما أكرمه الله تعالى به وتكوينه، أو بما سخره الله تعالى له من حوله ومن تحته ومن فوقه، أو فيما أنعمه عليه مما يعرفه ومما لا يعرفه، يقول الله تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، كما يختصّ الله تعالى المؤمنين به وبرسله برحمته يوم القيامة، فهو سبحانه وسعت رحمته كل شيء، وفاقت رحمته غضبه، وهو جلّ وعلا أرحم بعباده من الوالدة بولدها، ومن عظيم رحمته سبحانه هو قبول التوبة وغفر الذنوب، وتتجلى رحمة الله تعالى بفرحه جلّ وعلا بتوبةِ العبد إذا أقبل عليه تائبًا نادمًا، فيكفر الله تعالى عنه سيئاته، ويغفر له ذنوبه،
كما يوجب له محبته، فهو سبحانه العظيم الرحيم الذي ألهمه هذه التوبة وهداه إليها، وأعانه عليها، ثم قبلها منه، يقول الله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
تعريف التوبة وشروطها التوبة هي الرّجوع إلى الله تعالى بطاعته والابتعادِ عن المعصية، والله يحب التوابين يقول تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)
وهي واجبة على كل مؤمنٍ، وتعد التوبةُ من أسباب الفَلاح، والتوبةُ النصوح تكون سببًا في غفران الذنوب جميعًا مهما عَظُمَت وكثُرت يقول تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }فبابُ التوبةِ مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها،
ومن شروط التوبة :
إخلاص النية لله تعالى فيقصد بها وجهه الكريم؛ لينال ثوابه وينجو من عذابه.
الندم على المعصية فيحزن ويتمنى لو لم يفعلها.
ترك المعصية فورًا والإقلاع عنها، فإن كانت هذه المعاصي في حق الله تعالى في فعل محرم، تركها، وإن كانت المعصية في ترك واجب بادر بفعلها، وإن كانت المعصية في حق مخلوق فيجب أن يبادر بالتخلص منها، إما بردها إليه أو تحليله منها وطلب السماح.
العزمُ على عدم العودةِ للمعصية مستقبلًا.
ألا تكون التوبة قبل فوات الأوان؛ إما بانتهاء الأجل أو طلوع الشمس من مغربها، يقول الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآْنَ}
تعريف الاستغفار وشروطه
الاستغفار هو أن يطلبَ المسيئ الغُفران من الله تعالى، ويسأله أن يتجاوز عن ذنبه ولا يؤاخذه به، ومعنى قول: “استغفر الله”؛
أي: طلب العبد مِن الله تعالى أن يستر عيوبَه ويمحو ذنوبَه، والغفور من أسماء الله تعالى الحُسنى؛ ويعني الذي يَستر عيوبَ عباده ويَتجاوز عن ذنوبهم، وأصله في اللُّغة من كلمة المِغفرة وتعني الساتِر الحديدي الذي يَلبسه المقاتِل على رأسه،
والاستغفار من أعظم الذكر وأكثره أجرًا،
وحتّى يُقبل الاستغفار فإن له شروطًا يجب أن تتوفر فيه،
وهي:
السلامة من الكفر والشِّرك، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾.
السلامة من كسب الحرام، يقول الله تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾
اليقين باستجابة الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ادْعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ ، واعلمُوا أنَّ اللهَ لا يَستجيبُ دُعاءً من قلْبٍ غافِلٍ )،
وإجابة الدعاء تكون بإعطاء السائل سؤله، أو بدفع بلاءٍ عَنه، أو بادِّخارها كحسنات له يوم القِيامة.
ألا يكون في الدعاء اعتداء كسؤال الله جلّ وعلا شيئًا محرَّمًا أو دعائه بشيء مستحيل، كمن يدعو ربّه بألا يموت، وقد دلَّت الأدلةُ أنَّ في ذلك مخالفة لإرادته سبحانه.
الفرق بين التوبة والاستغفار
تتضمن التوبة فعلًا ماضيًا وحاضرًا ومستقبلًا،
فيكون الندم على الماضي، وفي الحاضر يكون الإقلاع عن الذنب، وفي المستقبل يكون العزم على عدم العودة لفعل الذنب،
أما الاستغفار فهو طلب المغفرة، وهو في الأصل يُمثّل سترًا للعبد فلا ينفضح، ويقيه من شر الذنوب فلا يُعاقب عليها،
ومغفرة الله تعالى لعباده تشتمل على أمرين،
وهما :
الستر فلا يفضحه، ويقيه أثر معصيته فلا يُعاقبه ويؤاخذه عليها، وبذلك فإنه يوجد فرق بين التوبة والاستغفار، فيمكن أن يستغفر العبد ولم يتب، وهذا هو حال الكثير من الناس، لكن التوبة أعمّ وتتضمن الاستغفار.
آثار الذنوب والمعاصي إنّ للذنوبِ والمعاصي آثارًا وأضرارًا سيئةً على العِباد والبِلاد،
ومنها: الحرمان من العلم
الذنوب تعمي بصيرة القلوب وتطمسُ أنوارها وتحجبُ طرقَ العلم، وتحولُ بين الإنسان والهداية والمعصية.