التقوي
التقوي
ما هي التقوى؟
التقوى صفةٌ عظيمةٌ جليلةٌ، لها أهميةٌ بالغةٌ في حياة المؤمن، يعلو بها قدره وشأنه، وتتقوى بها صلته مع خالقه ورازقه، لذا لا بد للمؤمن أن يتحلى بهذه الصفة الرفيعة، فمن هنا عليه أن يعرف أولاً تعريف التقوى، ليسهل عليه معرفتها وغرسها في القلب، قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى معرفاً بها: التقوى هو اجتناب كل ما تخاف منه ضرراً في دينك. (منهاج العابدين: صـ١٥٧)،
وقال الإمام الخازن رحمه الله تعالى مبيناً لمعنى التقوى: التقوى ترك ما حرم الله وأداء ما افترض، وقيل: التقوى أن لا يراك مولاك حيث نهاك. (لباب التأويل في معاني التنزيل: ١/٢٣-٢٤، ملتقطاً)
من أكرم الناس عند الله سبحانه؟
وتقوى الله سبحانه وتعالى سببٌ لوصول العبد إلى الله، وسببٌ لفلاحه ونجاحه في دنياه وأخراه، فقد قال ربنا سبحانه:
(وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَخۡشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقۡهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ) (النور: ٥٢)
وأكرم الناس، وأفضلهم وأعظمهم منزلةً ومكانةً عند الله تعالى أتقاهم، كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنه قال:
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكرم الناس؟ قال: «أتقاهم لله»
وهذا مقرر في القرآن الكريم، فربنا سبحانه وتعالى قال:
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ) (الحجرات: ١٣)
ومن تفضل وإحسان من الله جلا وعلا على عباده المتقين والمحسنين بأنه أكرمهم بمعيته حيث قال:
(إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ وَّٱلَّذِينَ هُم مُّحۡسِنُونَ) (النحل: ١٢٨)
أسباب زيادة تقوى الله:
والآن نبدأ بالحديث عن أسباب زيادة تقوى الله تعالى، لنغرسها في قلوبنا، وننال المكانة العالية، والدرجة الرفيعة، مع منازل الصديقين والشهداء والصالحين، ولتحقيق التقوى عدة أمور منها:
امتثال أوامر الله ورسوله واجتناب نواهيهما:
على العبد أن يحقق تقوى الله سبحانه بفعل ما أمر، واجتناب ما نهى عنه، ويحصل هذا بطاعة الله، والاقتداء بحبيبه صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، والاحتذاء بصراط الذين أُنعم عليهم من الأولياء والصالحين، يقول ربنا عز وجل:
(وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) (الأنعام: ١٥٣)
فهذه وصية من الله تعالى لعباده أجمعين بأن يتقوا ربهم سبحانه، وكذلك أوصى صلى الله عليه وآله وسلم أمته بتقوى الله حيث قال:
((أوصيكم بتقوى الله)) (سنن الترمذي: ٢٦٧٦)
وهكذا كانت وصية الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي بينها الله سبحانه وتعالى في كتابه، وكلهم قد أوصوا أقوامهم بتقوى الله سبحانه، ولا يمكن للعبد العمل بهذه الوصية المهمة إلا في حال طاعة الله ورسوله.
المحافظة على الفرائض:
ومن طاعة الله ورسوله أن يقوم العبد بأداء ما افترض الله عليه من الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها، فالواجب على كل مسلم أن يحافظ عليها ويؤديها في أوقاتها، قال الله تعالى:
(يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) (البقرة: ٢١)
وكذلك يجتهد في أداء السنن والنوافل بعد تأدية الفرائض، لأن القيام بما أمر الله تعالى عبده من العبادات وغيرها هي من التقوى التي تجعل بينه وبين النار وقايةً وحرزاً.
الإخلاص في سائر العبادات والأعمال:
ولا بد للعبد من إخلاص النية لله عز وجل في أي عمل يقوم به، فإن مدار الأعمال على النية الخالصة، ويكون عليها صلاحها وقبولها عند الله سبحانه وتعالى، فعلى العبد أن يخلص فؤاده لله تعالى، وأن يجعل عمله خالصاً لوجهه، وأن يدعوه متواضعاً ومتخشعاً، ومعترفاً بتقصيره، راجياً رحمته بأن يتقبل منه جميع أعماله الصالحة، ويتذكر قول الله تبارك وتعالى:
(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ) (المائدة: ٢٧)
فالإخلاص في النية هو أيضاً سببٌ مهم يصل العبد من خلاله إلى درجة التقوى.
الإقبال على كتاب الله تعالى:
من الأسباب المهمة لتحقيق تقوى الله تعالى، هو أن يُقبل العبد على كتاب ربه قراءةً وفهماً وتدبراً وعملاً بما فيه، وأن يخصص لنفسه وقتاً معه، ويعبر طريق حياته في ظلال كلام ربه وخالقه قال تعالى:
(وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ) (الأنعام: ١٥٥)
فإن هذا الكتاب كتابٌ مباركٌ كثير الخير والبركة، وسببٌ عظيمٌ لزيادةالإيمان واستجلاب التقوى.
الابتعاد عن المحرمات والمعاصي:
من الضروري أن يحفظ العبد جوارحه عن المعاصي والذنوب صغيرها وكبيرها، فإن الوقوع في المعاصي والمحرمات، يُبعده عن رحمة الله جل وعلا، ويقوده إلى سوء المنقلب وسوء العاقبة في الآخرة، فكيف ينال درجة التقوى، قال رسول الله صىلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
(لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين، حتى يدع ما لا بأس به، حذراً لما به البأس) (سنن الترمذي: ٢٤٥١)
فكلما كان العبد بعيداً عن الخطايا والذنوب، ألبسه الله سبحانه لباس التقوى، وجعله ممن برَّ واتقى.
النظر إلى ثمار التقوى:
إن للتقوى فوائد وثمرات كثيرة لا تعد ولا تحصى، منها: أنها سبب لسعة الرزق، وسبب لقبول الأعمال، وسبب للفوز والفلاح، وسبب للنجاة من العذاب، وسبب للرحمة والمغفرة، وجالبة لمحبة الله سبحانه، وسبب للعاقبة الحميدة، وسبب لمحو الذنوب والسيئات، وسبب لتسهيل الشدائد والمصائب، وسبب.. وسبب.. إلى كثير من الفوائد التي تجلبها التقوى،
والنظر إلى مثل هذه الفوائد والثمرات، يثير شوق العبد ورغبته إليها، ويجعله حريصاً على التزود بهذا الزاد الخير.
التحلي بصفات المتقين:
ينبغي على العبد المسلم أن ينظر إلى أعمال المتقين وصفاتهم العظيمة والكريمة، ويأخذ من صفاتهم ليصلح حاله، فهم يعفون عن الناس، ويكظمون الغيظ عندما يصيبهم الأذى والتعسف والظلم، ويعاملون الخلق بالرفق واللين والذلة وخفض الجناح، ويردون الإساءة بالإحسان، ويدفعون السيئة بالحسنة، ولا يجازون الشر بالشر، وينفقون في السراء والضراء، ويخشون الله تعالى في السر والعلن، ويستشعرون مراقبته في أقوالهم وأعمالهم، ويقضون لياليهم تلاوةً وصلاةً وذكراً وتسبيحاً واستغفاراً، وكذلك إذا تُليت عليهم آيات ربهم زادتهم إيماناً به ووجِلاً وخوفاً منه،
فحري بالعبد المؤمن أن يسعى إلى التحلي بأوصاف وأخلاق هؤلاء، ليكون من أهل التقوى.
مجالسة المتقين والصالحين:
إن صحبة المتقين والصالحين هي أيضاً أحد الأسباب المهمة للوصول إلى درجة التقوى، لأن الصحبة لها أثر بالغ ودور كبير في تكوين الشخصية وصقلها، فليصاحب العبد المسلم الأتقياء والصلحاء، وليرتبط ببيئة متدينة، فهي وسيلة مهمة لكسب الصحبة الصالحة، ومقاومة تأثيرات الصحبة السيئة، وذلك كبيئة مركز الدعوة الإسلامية، فهي تسهل الوصول إلى الرفقة الصالحة، وتُرغِّب في تطبيق تعاليم القرآن والسنة، وتَنصح بترك المعاصي والذنوب، فالانضمام إلى هذا المركز المبارك أيضاً يُعين على الوصول إلى درجة التقوى.
ختاماً:
نسأل الله سبحانه وتعالى بأسماء الحسنى وصفاته العلى، أن يرزقنا حبه، وحب من يحبه، وحب كل عملٍ يقرّبنا إلى حبه، وأن يجعلنا من عباده المتقين المخبتين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وإمام المتقين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.