IMG_20210315_113406_635

بقلم / سماح جمال

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..

فشهر شعبان من الأشهر العظيمة الفاضلة، التي ينبغي لنا معرفة حقها وأحكامها، وما يتعلق بها، وما يشرع فيها وما لا يشرع.

وإجمال ذلك في النقاط التالية:

لماذا سُمِّيَ شعبان بهذا الاسم؟ سمي بذلك لتشعبهم فيه، أي تفرقهم في طلب المياه، وقيل في الغارات .

والعرب عندما سمت أسماء الشهور، نقلتها من الأزمنة التي كانوا فيها، بحسب ما اتفق لها من الأحوال والأحداث، وكانت تسمية (رمضان) في وقت شديد الحر فسمي بذلك لشدة الرّمض فيه –وهو شدة الحر– وسموا (شعبان) من (الشَّعب)، وهو التفرق، لتفرقهم فيه لطلب الماء قبل رمضان.

•فضل شهر شعبان وردت عدة أحاديث في فضل شهر شعبان، تفيد أن الأعمال ترفع فيه إلى الله تعالى، وأنه شهر يغفل عنه الناس مما يقتضي فضل العبادة في أوقات الغفلة، وأن الله يغفر لعباده في ليلة النصف منه إلا لمشرك أو مشاحن.

فمن هذه الأحاديث ما رواه الإمام أحمد والنسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟

قال: “ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”.

وذكر ابن رجب رحمه الله عدة فوائد في الحديث منها: “أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان:

الشهر الحرام وشهر الصيام، اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولًا عنه.

وفي قوله “يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان” إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقًا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس، فيشتغلون بالمشهور عنه، ويفوتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم.

وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وذلك محبوب لله عز وجل، كما كان طائفة من السلف.وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد منها:

أنه يكون أخفى، وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل، لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه. ولهذا قيل إنه ليس فيه رياء.

ومنها: أنه أشق على النفوس، وأفضل الأعمال أشقها على النفوس.

ومنها: أن المنفرد بالطاعة بين أهل المعاصي والغفلة، قد يُدفع به البلاء عن الناس كلهم فكأنه يحميهم ويدافع عنهم)؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: “العبادة في الهرج كالهجرة إليَّ” رواه مسلم.وأما رفع الأعمال في شعبان، فهو الرفع السنوي، ولا ينفي الرفع أو العرض الأسبوعي يومي الاثنين والخميس، والرفع اليومي في صلاتي الصبح والعصر.

وأما حديث “رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي”؛ فهو حديث ضعيف.وأما ليلة النصف من شعبان، فقد ورد فيها عدد من الأحاديث الضعيفة جدًا والموضوعة، تتضمن فضل قيام ليلها وصيام نهارها، وأداء صلاة مخصوصة، والدعاء بأدعية مخصوصة.

لكن وردت أحاديث أخرى، قبلها بعض العلماء، ليس فيها تخصيص بصلاة أو صيام أو دعاء، وإنما تذكر مغفرة الله لعباده في تلك الليلة إلا لمشرك أو مشاحن، منها ما رواه عدد من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “يطلع الله تبارك وتعالى إلى عباده ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن”.

قال الألباني رحمه الله: حديث صحيح روي عن جماعة من الصحابة، من طرق مختلفة يشد بعضها بعضًا، وهم: معاذ بن جبل، وأبو ثعلبة الخشني، وعبد الله بن عمرو، وأبو موسى الأشعري، وأبو هريرة، وأبوبكر الصديق، وعوف بن مالك، وعائشة. 

ما يستحب في هذا الشهرجاءت السنة المطهرة باستحباب الإكثار من الصيام في هذا الشهر، كما في حديث أنس- السابق- رضي الله عنه، وما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان”، وفي لفظ لمسلم عنها” كان يصوم حتى نقول قد صام.. قد صام.. ويفطر حتى نقول قد أفطر..

قد أفطر، ولم أره صائمًا من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلًا”.قال ابن حجر رحمه الله: وفي الحديث دليل على فضل الصوم في شعبان.

وقال الصنعاني رحمه الله: وفيه دليل على أنه يخص شعبان بالصوم أكثر من غيره.

وعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يصوم من السنة شهرًا تامًا إلا شعبان؛ يصله برمضان.

قال الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وحسنه الترمذي.

قال ابن رجب رحمه الله: “صيام شعبان أفضل من الأشهر الحرم، وأفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله و بعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده، فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك يكون صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعُد منه، ويكون قوله صلى الله عليه وسلم ” أفضل الصيام بعد رمضان المحرم”محمولًا على التطوع المطلق بالصيام.

فأما قبل رمضان وبعده، فإنه يلتحق به في الفضل، كما أن قوله في تمام الحديث: “وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل”، إنما أريد به تفضيل قيام الليل على التطوع المطلق، دون السنن الرواتب، عند جمهور العلماء، خلافًا لبعض الشافعية. والله أعلم.كما أن شهر شعبان مقدمة لشهر رمضان، ولذلك شرع فيه الصيام، ليحصل التأهب والاستعداد لاستقبال شهر رمضان، ولترويض النفس على طاعة الله.والمقصود أن العبادة التي حث الشارع على الإكثار منها في شهر شعبان هي الصوم.هذا وقد روي عن السلف أنهم كانوا يلقبون شهر شعبان بشهر القراء. قال ابن رجب رحمه الله: ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن، ليحصل التأهب لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن. قال سلمة بن كهيل: كان يقال: شهر شعبان شهر القراء، وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القراء. وكان عمرو بن قيس المُلائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءة القرآن. 

About Author

اترك رد