تبديل السيئات حسنات ليس خاصاً بالكافر إذا أسلم
السؤال
أريد أن أعرف ما هي ضوابط شروط قبول التوبة، وهل شرط الاستغفار كما يقول بعض الناس مقبول أو لا، ما معنى التوبة النصوح، وهل فيه فرق بينها وبين التوبة العادية، وهل التوبة النصوح لها ضوابط غير ضوابط التوبة العادية، وكذلك متى يغفر الله الذنوب ويبدل السيئات حسنات، هل في التوبة العادية أم في التوبة النصوح، وأخيراً هل تبديل السيئات حسنات فقط للكافر الذي يتوب أم يدخل فيه المسلم؟ وشكراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن الاستغفار هو: طلب المغفرة ومحو الذنب.
قال ابن تيمية: المغفرة معناها: وقاية شر الذنب، بحيث لا يعاقب على الذنب، فمن غفر ذنبه لم يعاقب عليه.
أما التوبة: فهي الإقلاع والندم. قال الحافظ في الفتح: شروط التوبة ثلاث: الإقلاع والندم والعزم على أن لا يعود.
وليس الاستغفار شرط في التوبة، قال الحافظ في الفتح نقلاً عن ابن بطال: ليس الاستغفار أكثر من طلب المغفرة، وقد يطلبها المصر والتائب. وقيل: المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه!!
والتوبة النصوح هي التي استوفت الشروط المشار إليها آنفاً، هي التي يبدل الله عندها السيئات حسنات.
هذا.. وإن تبديل السيئات حسنات ليس خاصاً بالكافر إذا أسلم، وإنما يشمل كذلك المسلم العاصي إذا تاب، قال تعالى في صفات عباد الرحمن: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ… إلى قوله: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ {الفرقان: 68-70}، قال الحافظ ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): إنما التبديل في حق من ندم على سيئاته وجعلها نصب عينيه، فكلما ذكرها ازداد خوفاً ووجلاً وحياء من الله ومسارعة إلى الأعمال الصالحة المكفرة؛ كما قال تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا. وما ذكرناه كله داخل في العمل الصالح، ومن كانت هذه حاله فإنه يتجرع من مرارة الندم والأسف على ذنوبه أضعاف ما ذاق من حلاوتها عند فعلها، ويصير كل ذنب من ذنوبه سببا لأعمال صالحة ماحية له، فلا يستنكر بعد هذا تبديل هذه الذنوب حسنات، وقد وردت أحاديث صحيحة صريحة في أن الكافر إذا أسلم وحسن إسلامه تبدلت سيئاته في الشرك حسنات، فخرج الطبراني من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبي فروة شطب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها، ولم يترك حاجة ولا داجة، فهل له من توبة؟ فقال: أسلمت؟ قال: نعم. قال: فافعل الخيرات واترك السيئات، فيجعلها الله لك خيرات كلها. قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال: نعم. قال: فما زال يكبر حتى توارى.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة وآخر أهل النار خروجاً منها، رجل يؤتى به يوم القيامة، فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا كذا وكذا، وعملت يوم كذا وكذا كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة، فيقول: رب قد عملت أشياء لا أراها ها هنا. فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه.
قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم بعد ذكر حديث مسلم السابق: فإذا بدلت السيئات بالحسنات في حق من عوقب على ذنوبه بالنار، ففي حق من محيت سيئاته بالإسلام والتوبة النصوح أولى، لأن محوها بذلك أحب إلى الله من محوها بالعقاب.
والله أعلم.