التواضع في الإسلام
التواضع في الإسلام
والفرق بين التواضع والتذلل
الحمد لله، الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:
فإن التواضع من أخلاق الإسلام
معنى التواضع:
التواضع: هو رضا الإنسان بمنزلة دون ما يستحقه فضله ومنزلته
الفرق بين التواضع والتذلُّل:
• التذلل: إظهار العجز عن مقاومة من يتذلل له.
• التواضع: إظهار قدرة من يتواضع له، سواء كان ذا قدرة على المتواضع أو لا؛
منزلة التواضع:
التواضع خلق حميد، وجوهر لطيف، يستهوي القلوب، ويستثير الإعجاب والتقدير، وهو من أخص خصال المؤمنين المتقين، ومن كريم سجايا العاملين الصادقين، ومن شيم الصالحين .
التواضع هدوء وسكينة ووقار واتزان، التواضع بشاشة وجه، ولطافة خلق، وحسن معاملة، بتمام التواضع وصفائه يتميز الخبيث من الطيب، والأبيض من الأسود، والصادق من الكاذب، وما تواضع أحد لله تعالى، إلا رفعه الله سبحانه.
المتواضع يبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه، كريم الطبع، جميل العشرة، طلق الوجه، رقيق القلب، متواضع من غير ذلة، جواد من غير إسراف؛
التواضع
التواضع من الصفات الحميدة التي اتصف بها الانبياء والمرسلين والتواضع وصية رب العالمين:
حثَّنا الله تعالى علي التواضع في القران الكريم:
(1) قال الله تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215].
• قال الإمام القرطبي رحمه الله: ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم، وأصله أن الطائر إذا ضمَّ فرخه إلى نفسه بسط جناحه، ثم قبضه على الفرخ، فجعل ذلك وصفًا لتقريب الإنسان أتباعه؛ (تفسير القرطبي، جـ9، صـ57).
(2) قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37].
• قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾ هذا نهي عن الخيلاء، وأمر بالتواضع؛ (تفسير القرطبي، جـ10، صـ260).
(3) قال جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54].
• قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ أي: يرأفون بالمؤمنين، ويرحمونهم، ويلينون لهم؛ (تفسير القرطبي، جـ 6، صـ220).
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه؛ (تفسير ابن كثير، جـ 3، صـ136).
(4) قال جل شأنه: ﴿ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ [الحج: 34].
قوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾.
• قال قتادة بن دعامة رحمه الله: ﴿ المخبتين ﴾: المتواضعين؛ (تفسير الطبري، جـ16، صـ 551).
قال الإمام القرطبي رحمه الله: المخبت: المتواضع الخاشع من المؤمنين؛ (تفسير القرطبي؛ جـ12، صـ 58).
(5) قال سبحانه: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين، الذين لا يريدون علوًّا في الأرض؛ أي: ترفُّعًا على خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبُّرًا بهم، ولا فسادًا فيهم؛ (تفسير ابن كثير، جـ6، صـ258).
(6) قال الله عز وجل: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32].
- قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ﴾؛ أي: لا تمدحوها ولا تثنوا عليها، فإنه أبعد من الرياء وأقرب إلى الخشوع؛ (تفسير القرطبي، جـ 17، صـ110).
(7) قال الله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63].
• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾؛ أي: بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار؛ (تفسير ابن كثير، جـ 6، صـ121).
نبينا صلى الله عليه وسلم يحثنا على التواضع:
حثنا نبينا صلى الله عليه وسلم على التواضع في كثير من أحاديثه، منها:
(1) روى مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد))؛ (مسلم، حديث 2198).