إنخراط المرأة في المجتمع
إنخراط المرأة في المجتمع:
يقول الله تعالى في كتابه الكريم: [الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ]
تضع هذه الآية بين أيدينا أربعة أركان للنظام الاجتماعي الإسلامي، وهي بالتحديد:
· إقامة الصلاة.
· إيتاء الزكاء.
· الأمر بالمعروف.
· النهي عن المنكر.
ففي المجتمع الإسلامي الفعّال تؤدي النساء هذه الفرائض جنبًا إلى جنب مع الرجال كما يتضح ذلك من قول الله عز وجل: [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ].
نصّت هذه الآية أيضا على الأركان الأربعة وذكرت أن الرجال والنساء يقومون بها، وتتضح لنا المضامين الاجتماعية والسياسية الواردة في هذه الآية إذا نظرنا إلى العلاقة التي تقيمها تلك الآية بين الرجال والنساء كعنصر وثيق الصلة بالكيان الاجتماعي الأكبر، حيث توصف هذه العلاقة بالولاية، يقول الفيروز أبادي في «القاموس» -أحد المعاجم العربية الموثوقة- إنَّ الولاية هي: «الخُطَّةُ، والإِمارَةُ، والسُّلطانُ».
وفي القيام بهذه الواجبات يشد الرجال والنساء أزر بعضهم بعضًا، على ما ذكر ابن كثير وغيره في تفسير هذه الآية، وتنتج هذه العلاقة السليمة بين الرجال والنساء مجمتعًا يمتاز بالقوة والتوازن والعدل والصلاح.
وتتضح المضامين السياسية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نص بيعة العقبة الثانية، المشار إليها ببيعة الحرب لما ورد فيها من مضامين سياسية واضحة، والفارق بين هذه البيعة وبيعة العقبة الأولى: أنَّ الأولى ركزت على التقوى والسلوك الفردي وعُرفت ببيعة النساء، يروي ابن هشام بيعة العقبة الأولى قائلًا: فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللّهِ وَرَغّبَ فِي الْإِسْلَامِ ثُمّ قَال: «أُبَايِعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ»، قَالَ فَأَخَذَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ نَعَمْ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ (نَبِيّا) لَنَمْنَعَنّك مِمّا نَمْنَعُ مِنْهُ أُزُرَنَا، فَبَايِعْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَنَحْنُ وَاَللّهِ أَبْنَاءُ الْحُرُوبِ، وَأَهْلُ الْحَلْقَةِ، وَرِثْنَاهَا كَابِرًا (عَنْ كَابِرٍ).
وكان ممن شهد تلك البيعة التي أنشأت واجبات وفروضًا اجتماعية وسياسية امرأتان هما: أم عُمارة نُسيبة بنت كعب، وأم منيع أسماء بنت عمرو بن عدي، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بيعتهما، وهذا دليل واضح على أن الرجال والنساء شركاءُ متساوون في المشروع الاجتماعي الإسلامي، ونأمل من خلال هذا التوصيف العام لانخراط المرأة في المجتمع الإسلامي أن نتحول إلى أمثلة مفصلة.
جهاد المرأة دفاعًا عن الإسلام:
في غزوة أُحُد، دافعت أم عُمارة نُسيبة بنت كعب، وهي إحدى النساء اللائي شهدن بيعة العقبة الثانية، عن النبي صلى الله عليه وسلم بشجاعة حتى أصيبت باثني عشر جرحًا، وضَربت ابنَ قميئة ضرباتٍ أوردته الموت؛ إذ كان ابن قميئة أحد صناديد القتال في صفوف المشركين، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم شجاعتها ومقامها في تلك الغزوة.
وهذا التأكيد من النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع قولًا لمنكرٍ جوازَ قتال النساء في مثل هذه الظروف حتى لو عارضت أحاديث أخرى وجوب الجهاد على النساء.
وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم أم حرام بنت مِلحان أنها ستركب البحر جهادًا في سبيل الله عندما جاءت تستئدنه في الخروج للغزو، ثم تزوجت عُبادة بن الصامت وركبت معه البحر في إحدى الغزوات، وقد شاركت أم حرام في تلك الغزة بعد سابق علم وإذن من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه أيضًا حجة قوية في وجه مَن لا يجيزُ انخراطَ المرأة في مثل هذا الحدث الاجتماعي وفي الأحداث التي تقل أهمية عنه.
من المعلوم في الشريعة أنه يجب على القادرات من النساء الدفاع عن ديار المسلمين إذا دهمتها قوات العدو، وكان من فِعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه يصطحب النساء في الغزوات لمداواة الجرحى والقيام على أمور الجند، وكانت عائشة وأم سُليم وأم سَليِط ممن برزن في القيام بتلك الواجبات.
مشاركة النساء في العملية السياسية:
إذا عرّفنا العملية السياسية لمجتمع ما تعريفًا عامًّا، وقلنا إنها طريقة تُصنع بها القرارات الملزمة لعموم الناس، لاتَّضَح أنَّ النساء كُنّ جزءًا لايتجزَّأ من العملية السياسية في النظام الذي كان يحكمه النبي صلى الله عليه وسلم، ومثال ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قبل ما أشارت عليه به أم سلمة من الخروج إلى الناس وذبح النُسُك وحلق رأسه عندما حدثت أزمة الحديبية، وكان من أمر ذلك أن الصحابة لم يرضوا بشروط الصلح الذي عقده النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعداء، ورفضوا أن يتحللوا من العمرة، ولكن عندما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يتحلل من عمرته فعلوا مثل ما فعل، وبذلك أنهت مشورة إحدى النساء أزمة سياسية كبرى كانت ستضرب دولة إسلامية في مهدها.